شاليط:إيما إيما نتنياهو: شيكت شيكت
" أنت تتصرف وكأنك رئيس لجنة أولياء أمور الجنود وليس كالقائد الأعلى للجيش" هكذا قمع جابي اشكنازي رئيس هيئة الأركان الإسرائيلية من قبل عوزي أراد مستشار الأمن القومي الإسرائيلي خلال الجلسات الحكومية الست التي عقدها (المطبخ السباعي) للخروج بقرار تأييد أو رفض صفقة شاليت مع حماس والتي انقسم المجتمعون إلى قسمين 3 إلى 3 وتردد نتنياهو في حسم الأمر لصالح أي من الفريقين ونتج مخاض هذه العملية القيصرية التي تعتبر من أطول وأخطر العمليات على الحكومات الإسرائيلية قاطبة كونها تمس المحرمات الإسرائيلية (التي يسوقونها على العالم) كم يزعمون وأنها تجري تحت عدسات الإعلام ويقف على أبوابها ملايين الإسرائيليين .
ومع انتقال الوسيط الألماني أرنست اورولا إلى غزة وتسليمه رد الحكومة الإسرائيلية ب (لعم) إلى حركة المقاومة الإسلامية حماس ومغادرته إلى بلاده للاحتفال بأعياد رأس السنة ومطالبة حماس بإعطائها مهلة عدة أيام للتشاور مع قادتها داخل وخارج فلسطين قبل إعطاء الرد، يفسر ذلك بأن الرد الإسرائيلي يحمل أفكارا جديدة أو توضيحات أكثر دقة، وهذا يفسر نفاذ صبر الوسيط الألماني ومغادرته المنطقة بعد ثلاث ساعات ونصف من محادثته مع حماس بغزة، وبالتالي تكون الصفقة قد دخلت غرفة العناية المركزة بعد أن كادت تنتهي وتنتهي معها صفقة طال انتظارها (لأكثر من ثلاث سنيين) عاش ويعيش الجانبين جو من الترقب وشد الأعصاب وأرق وقلق الليالي.
ومن هنا يتضح أن اللاعب الرئيس في الصفقة هو نتنياهو وليس ديسكن كما يقول بعض الكتاب الإسرائيليين من يملك القرار هو الذي يملك المفتاح وكلمة السر فإذا قال نتنياهو نعم للصفقة تنفذ الصفقة بدون تأويلات أو ترددات، والواضح أن نتنياهو يعيش في داخله هواجس تداعيات القرار، وخاصة انه يحمل إستراتيجية الإبعاد (موقفه الرافض لصفقة أحمد جبريل 1985 إلا إذا كان الإبعاد هو الحل ) في حالة الموافقة على تبادل الأسرى وهذا ما تناقلته وسائل الإعلام من زيادة عدد المبعدين ممن تشملهم الصفقة وخاصة من يسكنون الضفة الغربية أو القدس أو الداخل.
كما أن نتنياهو يريد توفير غطاء حكومي وشعبي مساند لقراره حتى يستشهد فيه في حالة اللوم أو المساءلة ليحمي مستقبله السياسي وموقعه الحكومي وهذا ما ذهب به من المماطلة والتسويف في اتخاذ القرار ليومين متتالين بواقع ست جولات مكوكية وقد نجح في احتضان معظم الأجهزة العسكرية والأمنية وخاصة وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان ووزير الأمن الداخلي، كما اكتسب تأيد الشعب الإسرائيلي الذي زادت نسبة المؤيدين للصفقة خلال اليومين من 52% إلى 76% حسب استفتاء صحيفة معاريف الإسرائيلية الصادرة في 26/12/2009 الذي تصدر الصفحة الأولى لصحيفتها والذي أكد فيه 56% من المستفتين أن لا حل للخيار العسكري في حين أقر 36% أن الحل العسكري قد فشل بينما أعطى الاستفتاء 65% لصالح موقف نتنياهو من قضية شاليت.
ورغم هذا الدعم الحكومي والشعبي الا ان نتنياهو مازال يراوغ في حسم الأمر وهذا يؤكد ما ذهبنا اليه في صدر هذا المقال بأنه يعيش صراع داخلي ما بين معتقداته وأفكاره وما بين الضغوط والواجب المفترض من رئيس حكومة نحو جنود دولته حيث قال "أنه لا يوجد صفقة وليس واضحا حتى الآن إذا ما ستكون هناك صفقة أم لا، ولا أعلم حتى الآن ما إذا كنا سنصل لذلك أم لا" جاء حديثه هذا تعقيبا على عملية الاغتيال العلني والصريح التي نفذها الجيش الاسرائيلي في مدينة نابلس والذي استشهد بها مدعما رأيه وموقفه من الصفقة بأن المنوي الافراج عنهم من سكان الضفة سيعودون الى العمل العسكري.
وفي المقابل أحسنت حماس في عدم إعطاء الرد المباشر للوسيط الألماني وطلبت مهلة التشاور كونها ليست بأفضل حال من نتنياهو فقضية الإبعاد خط أحمر أمامها حيث أنها تتغنى بأنها هدمت أول مخيم للاجئين الفلسطينيين في الشتات( مخيم مرج الزهور 1992-1993) وأعادت جميع المبعدين إلى فلسطين والى بيوتهم كما أنها قدمت الكثير من أجل إنجاح الصفقة سواء على المستوى التنظيمي الحركي الذي قدمت فيه التضحيات ومئات الشهداء أو على المستوى الشعبي الذي مازال يعيش الشعب ومنذ ثلاث سنوات ونصف الحصار والتضييق والخناق و قدم الشهداء بالمئات أيضا من الأولاد والأزواج والنساء، لذلك الأمر جد صعب أمام حماس وخاصة أنها تعيش الذكرى الأولى لحرب الإبادة والاستئصال الذي شنه الاحتلال الإسرائيلي على غزة والذي كان من أهم أهدافه تحرير الجندي شاليت.
فعلى نتنياهو أن يحسم أمره بشأن الصفقة وأن يخرج عن تردده وإلا يقابل دموع شاليت وصراخه إيما إيما(ماما ماما) بقوله شكت شكت (اخرس اخرس) والا سيثور الرأي العام عليه كونه مفجوع من الجندي رون آراد وأن المفاوضات لن تستمر إلى مالا نهاية.
وكذلك لن تنسى حماس الدماء في ذكرى الدماء ولن ترضى الإبعاد المفتوح في ظل تغيير المعادلات واهتزاز موازين القوي وزيادة الأجسام الصهيونية الضاغطة على الحكومة الإسرائيلية بإنهاء الملف وعودة شاليت إلى بيته سالما معافى كما صرح داني أيالون نائب وزير الخارجية الإسرائيلي " أن إسرائيل تنتظر بفارغ الصبر رد حماس على اقتراحها بشأن صفقة التبادل للإفراج عن الجندي شاليط، وأن الوضع هش وحساس ولذا لا تنوي إسرائيل القيام بأي خطوة تمس بفرص إعادة شاليط إلى بيته سالما معافى بأقرب ما يمكن" .